بدأت القوات المدججة بالسلاح تزحف ببطيء شديد ، وخطة مدروسة ، كانت الأوامر الموجهة إليها أن يباد كل من في المدينة من بشر وحيوانات وشجر، وأن يقلب عاليها أسفلها ، قام الطيران بقصف كل شبح متحرك وقصف المباني والمساجد وضرب الكنائس ، اتبعه الجنود بقتل كل من صادفهم في الطريق وقتل مئات العشرات من البشر ، وبعد أن قاموا بجريمتهم بدم بارد وإتمامها على الوجه الكامل ، وصبغوا وجه المدينة بالدماء ، بدءوا يدخلون البيوت ويسوقون الناس كبيرهم وصغيرهم ، شيوخهم وأطفالهم ، ممن أسعفهم الحظ بالنجاة ، كالأغنام إلى أماكن أعدت خصيصاً لأجل أن يتم احتجازهم داخلها ، مدراس ، مراكز ، ما تيسر لهم.
الحرس المدججون بالسلاح والعتاد يحيط بهؤلاء البؤساء الذين دمرت مدينتهم وانتهكت آدميتهم وقتل مئات العشرات من أقاربهم وإخوانهم ، ويقودونهم كحيوانات نحو مصير مجهول ، وكان نصيب صاحبنا أن اقتيد كعشرات الآلاف غيره وتم حجزه داخل احد المدارس ، حيث تم تجميعهم في باحة هذه المدرسة ، ورصوا فوق بعضهم ، ودفنت رؤوسهم في الأرض ، ووقف على رؤوس هؤلاء البؤساء ضابط يلبس لباس المغاوير وإلى جانبه أحد أعوانه ، وبدأ يقلب نظره فيهم واحداً واحداً ، والخوف والترقب يلفان المكان ، إلى أن استقر نظره على أحدهم ، قام بوضع يده على كتفه وطلب منه الخروج ، خرج أمام المساجين جميعاً ثم عري من ثيابه ووضعت تحته زجاجة الويسكي التي انتهى من شربها هذا الضابط ، وطلب منه أن يجلس عليها ، رفض دارت عينيه في المكان كقط حبيس يبحث عن مُنقذ أو مُخلص أو منفذ ينهي عنه ذلك الكابوس اللعين ، ولكنه لم يجد أحداً يعينه فلم يكن هناك إلا الخوف والصمت اللذان كانا يلفا المكان ، امتدت إليه يدا جنديين أمسك كل واحد منهما بكتف وأقعدوه فوق الزجاجة وقام الضابط فوق رأسه وبدأ يضغط على رأسه نحو الأسفل ، وبدأت دماءه تصبغ أرض الباحة ومات من فوره ، وهنا أحس هؤلاء البؤساء بالغضب وثاروا وهجموا ولكن البنادق التي ارتفعت في وجوههم كانت كفيلة بلجم كل هذا الغضب .
تم اقتياد المحتجزين بعدها وتم إيداعهم داخل غرف المدرسة ، التي كانت عبارة عن 10 غرف أمامها ممر في نهايته يقع حمام تنبعث منه روائح كريهة ، ووضع في داخل كل غرفة أكثر من مئة شخص ، كانت مساحة الغرفة بالكاد تتسع لهم ، وبالكاد يتمكن أحدهم من أن يجلس القرفصاء ، وإذا أراد أحدهم أن ينام يضطر البعض منهم أن يقفوا على أرجلهم لكي يتمكن صاحبهم من أخذ غفوة يريح بها جسده المنهك ، ومن الأفضل لكي لا يزعج غيره أن ينام مقرفصاً ، بعد أربعة أيام سقط أحد المساجين أمام صاحبنا ميتاً من القهر والغيظ ، ونودي بالحراس فقاموا بجره من قدميه ، وألقوا به في أحد زوايا المدرسة قريباً من الحمام ، وبقي هذا المسكين مرمياً في مكانه يراه الجميع كلما ذهب أحدهم إلى الحمام ، إلى أن ازرّق جسده وفي اليوم الرابع ألقي عليه قطعة قماش واختفت بعدها جثته .
بعدها وصل القائد العام بعد أن قام جنوده بتلك البطولة، فلزوماً أن يكرم جنوده الذين قاموا بتلك البطولة العظيمة ولزوماً أن يحتفل وإياهم بهذا الانتصار والملحمة الرائعة ، ولما وجد أنهم قد قاموا بانجاز ما أنيط بهم من مهمة قرر أن يكافئهم بوليمة ، فلا بد من شرب نخب هذا الانتصار !؟ فأعلن جنوده أنه وبمناسبة وصول هذا القائد فإنه سيتم الإفراج عن خمسمائة منهم ، وأخذ المساكين يستبشرون خيراً بالخروج وقرب الخلاص من هذا الكابوس ، وأخذوا يتراكضون داخل الغرفة بحجم الفراغ الذي يستطيعون فيه الحركة ، كان المحتجزون داخل عشرة غرف ومن كل غرفة سيفرج عن خمسين منهم احتفالاً بمقدم القائد العام ، صاحبنا هذا كان أمامه ابن عم له وصل الرقم إلى 49 ونودي على ابن عمه الذي كان هو صاحب الرقم الأخير ، ووصل الدور عنده كانت أمنيته أن لو تأخر العداد قليلاً ليكون إلى جانب ابن عمه ينام في أحضان زوجته تلك الليلة ويقر أعين أطفاله برؤيته ، ولكنه دُفع بضربة قوية ألقت به على الأرض وأغلق الباب من جديد ، ومن وقتها لم يعد ابن عمه إلى بيته أبداً هو ومن تم اختيارهم فقد ذهبوا نخباً لهذا الانتصار العظيم .
كان إذا أراد أحد المساجين الخروج إلى دورة المياه ، فإنه يطرق على الباب حتى يقال له اخرج ، ويخرج لقضاء حاجته في آخر الممر ثم يعود ، ولكن في هذه المرة طرق أحد هؤلاء البؤساء الباب ، ولم يخرج بعد أن طلب منه الخروج ، جاء الجندي يتفقد الخبر ، فتح الباب ومد رأسه قام هذا السجين بدفعه إلى داخل الغرفة دفعة قوية ، تعاركا قليلا إلى أن تمكن السجين من تخليص البندقية منه ، وخرج إلى الممر وقام بإطلاق النار على الحراس الآخرين الذين يتوزعون داخل المدرسة وعلى أسطحها وقتل ستة منهم ، إلى أن تمكن أحد الحراس الذين كانوا على السطح من إطلاق النار عليه فارداه قتيلاً ، حدث بعد هذا مرج وصخب ، قام على أثرها الجنود بسحب قتلاهم ثم جهزوا أنفسهم وجاءوا إلى الغرفة التي خرج منها ، وقالوا لهم هذا خرج من غرفتكم ، وبدأ الضرب بأعقاب البنادق على هؤلاء المساكين ، وسعيد الحظ منهم من كان يستطيع أن يحفظ رأسه من خلال دفنه داخل أجساد زملائه ، أما باقي الجسد فحدث ولا حرج ، وتكوموا جميعاً فوق بعضهم ، ودعس عليهم ، واستمر الضرب المبرح إلا أن كلت أيدي الحراس ، فتركوهم ما بين جريح ومرضوض .
بعد هذا طلب من جميع المحتجزين أن يتجهزوا للخروج في مظاهرة يحملون فيها لافتات من أجل التنديد بما فعله البعض منهم من الذين حملوا السلاح ودافعوا عن أنفسهم ، التلفزيون والقنوات جميعها ستصور لتعلن أن الجماهير ليست راضية عن هذه الأفعال التخريبية ، استغل صاحبنا هذه الفرصة وانتظر أقرب الأماكن التي كان يعرفها شبراً شبراً ، فهو ابن هذه المدينة التي حل بها الدمار والخراب ، وقفز داخل أحد البيوت ، وذاب بعيداً عن عيون الكاميرات.
* لكي لا ننسى ، هذه القصة لم تحدث في المريخ وإنما حصلت في أحد المدن العربية والتي ارتكبت بحق أهلها أبشع مجزرة وذهب ضحيتها ثلاثون ألفاً من الآمنين ، لكي لا ننسى المجازر التي لا زالت ترتكب في الشيشان وأفغانستان والعراق الفلوجة أبو غريب وباقي المدن ، وفي فلسطين غزة وجنين ودير ياسين وفي لبنان قانا وتل الزعتر ، وفي الأحواز المغتصبة وفي معسكر اشرف ، لكي لا ننسى آخر هذه الفضائح التي تجري داخل السجون الإيرانية من اغتصاب للقاصرين والقاصرات ، لكي لا ننسى جرائم رعاة البقر بحق إخوتنا المسلمين ، لكي لا ننسى جرائم الصفويين الفرس داخل إيران وفي العراق ، هؤلاء الشاذين والمنحرفين أصحاب المذاهب الفاسدة والمنحرفة ، والذين يدعون كذباً أنهم دولة إسلامية ، لكي لا ننسى أن الإنسان المسلم لم يعد سوى رقم ، ورقم فقط !!
تحياتي